top of page

رائحة المدارس

  • Mohammed Abdelaziz
  • Sep 24, 2016
  • 2 min read

دائما ما يمثل سبتمبر عندي نقطة فاصلة وعلامة محورية ... في النصف الثاني من سبتمبر تبدأ الشمس تمارس بعض الكسل الملحوظ فتسطع حينا وتغيم حينا، وتبدأ قطع القطن الأبيض تنتشر عبر السماء الزرقاء، وتبدأ درجات الحرارة الغاضبة في الهدوء والسكينة تاركة بعض المجال لحركة الهواء... حينها تتحرك نسمات لطيفة مشبعة برائحة مميزة ... أسميها دائما رائحة المدارس، وربما اشترك معي أخرون في تلك التسمية.


ربما الصدفة البحتة هي التي صنعت هذا ... فتلك الرائحة المميزة المنتشرة في نسمات الهواء دائما ما ارتبطت بالإعلان الرسمي عن بداية الدراسة، وهكذا على مر السنين تهب تلك النسمات فتثير في نفسي شعورا بالشجن الخفيف... أفكار ومشاعر متعددة تمتزج معا... فتلك الرائحة تعني نهاية مرحلة سعيدة من الحرية.


حين كنا صغارا ... وفي الشهور القليلة السابقة على سبتمبر كنا ننام متى شئنا والى ما شئنا ... حتى إذا أتى النهار ننعم بالاستيقاظ دون صوت المنبه، فقط عندما تريد أجسامنا ذلك... نقضي اليوم نشاهد التليفزيون دون أن يعنفنا الكبار، وربما لا يعرف الجيل الجديد أنه كان لدينا برامج أطفال صباحية لطيفة في التليفزيون المصري. وكنا نستطيع أن نلعب أو نقرأ أو ننام أو حتى نجلس في الشرفة ساعة العصاري نرقب حركة الناس في الشارع.... كنا نملك الحرية.... وكانت تلك الحرية هي مصدر أساسي للفرح والسعادة.


فإذا حلت النسمات حاملة معها تلك الرائحة انتبهنا أن الوقت العيد قد مر كلحظة قصيرة، وأنه بعد عدة أيام علينا أن نتخلى عن تلك الحرية، فسنستيقظ في الوقت الذي يحدده الكبار، وسنرتدي ملابس معينة حددها لنا الكبار، وسنجلس على دكة خشبية غير مريحة لساعات يحددها الكبار، وسنمتنع حينها عن الكلام الا بإذن الكبار، حتى إذا انصرفنا وعدنا الى المنزل فعلينا أن نقضي الوقت في الواجب الذي فرضه علينا الكبار ... وإذا حدث مرة وخالفنا أمر الكبار فسيتملكنا الرعب الشديد خوفا من العقاب القاسي الذي سنتعرض له منهم.


ربما يخفف من ذلك شعورنا اننا كبرنا عن العام الماضي، وشيئا فشيئا نقترب من أن نكون مثل هؤلاء الكبار الذين يملكون الحرية ... وربما يخفف من الأمر أيضا تلك الطقوس المبهجة من الأدوات الجديدة والوان التغليف المتعددة... ولكن ذلك كله لا يضاهي شعور السعادة بالحرية. ربما في ذلك الوقت لم نكن نستطيع التعبير عن ذلك كله، ولكننا الآن نستطيع أن نترجم ذلك الى كلمات.


صرنا من الكبار الذين كنا نحلم دائما أن نكون مثلهم كي ننعم بالحرية، ثم وجدنا أن الكبار أنفسهم مقيدون ولكن بقيود مختلفة. وهم يبحثون عن الحرية مثلنا عندما كنا صغارا ... وأفكر كثيرا ... لماذا لم يمنحنا الكبار قدرا أكبر من الحرية عندما كنا صغارا؟ ... هل لأنهم هم كذلك لم يملكونها ولم يكن القرار بأيديهم؟ ... أم لأنهم أرادوا تدريبنا مبكرا على حياة الكبار؟ ... وهل علينا نحن أن ندرب الصغار على قدر أكبر من الحرية؟ ... أم ربما ندربهم على ما تدربنا نحن عليه؟


وهكذا بعد أن كبرت، وبعد أن مرت سنوات كثيرة على انتهاء الدراسة مازال سبتمبر يحمل لي معه نفس الرائحة المميزة، ومازالت الرائحة تحمل لي معها نفس مشاعر الشجن القديمة وكثير من الذكريات... وتنبهني أن مرحلة من العمر قد مرت وأن عاما جديدا سيبدأ الآن... وأن جيلا جديدا قد انضم الى ذلك الطابور الذي انضممت أنت له قديما عندما كنت صغيرا تصل بالكاد الى ركبة الكبار، وكنت تسير على الأرض حاملا حقيبتك المدرسة الأولى ذات اللون الأحمر، والتي كانت حينها تبدو كبيرة ثم صارت الآن في حجم كف يدك، وكنت تحمل أحلاما كبيرة رغم عمرك الصغير.


 
 
 

Comments


Featured Posts
Recent Posts
Follow Us
  • Facebook Social Icon
  • Twitter Long Shadow
  • LinkedIn Social Icon

© 2015 Mohammed Abdelaziz. All Rights Reserved

 

bottom of page