الشغل وسنينه
- Mohammed Abdelaziz
- Apr 16, 2016
- 4 min read

كيف يكون حالك وانت ذاهب للعمل كل صباح؟ ... هل تبدو نشيطا سعيدا متحمسا متألقا وترى الحياة لونها بمبي؟ ... أم تذهب متكاسلا مضطرا مضروبا بالنار وعليك علامات اكتئاب واضح يستمر طوال الأسبوع حتى يأتي "الويك اند" فتقيم الأفراح والليالي الملاح احتفالا ببدء الإجازة القصيرة؟
وما هو السر الذي يجعل البعض منا أكثر حماسا للعمل رغم ضعف المرتب وكثرة ساعات العمل ... في حين يفقد بعضنا الأخر حماسه رغم المرتب الكبير وساعات العمل المحددة وربما الامتيازات الكثيرة؟
الحقيقة أن بيئة العمل في مجتمعاتنا لها العديد من الخصائص التي تؤثر علينا سلبا أو إيجابا.
نحن نختلف عن الماكينات ... خالص

في بعض الدول قد يكون العاملون هناك أشبه بالماكينات، فقط يعملون وينفذون التعليمات، ثم يتقاضون أجرهم بنهاية الشهر... ولكننا في مجتمعاتنا الشرقية مشهورون أكثر من غيرنا أن عاطفتنا قوية وأننا نعمل بنفوسنا أولا قبل أيدينا ... فنحن مثلا نحب الشعور بأننا شخصيات هامة ومؤثرة. ولهذا فالمدير الناجح عندنا هو من يستطيع التعامل مع الجانب النفسي للموظفين، الذي يستطيع أن يجعل فريق العمل يشعر أن كلا منهم له دور مهم ومؤثر في العمل مهما كان حجم الدور أو نوعه ... يحكى مثلا أنه في الماضي وقف قائد الجيش يتحدث مع الحداد الذي يصنع حدوة حصانه، وأخبره أن الانتصار في الحرب يتوقف على تلك الحدوة، فلما تعجب الحداد قال له القائد "اذا سقطت الحدوة سقط الحصان، واذا سقط الحصان سقط الفارس، واذا سقط الفارس ضاعت المعركة"، لك أن تتخيل التأثير النفسي لتلك الكلمات على نفس الحداد ... ذلك الشعور بأننا نؤدي دورا مهما يرفع من مستوى المسئولية لدينا ويجعلنا نعمل بحماس أكبر واتقان أرقى ... ونحن كشرقيين لدينا نوع من "الجدعنة" تجعلنا نبذل جهدا إضافيا تجاه من يشعرنا أنه يعتمد عينا ... والمدير الذي يهمل الجانب النفسي ويكتفي فقط بمراقبة الأرباح وحث العاملين على رفع المبيعات، فعادة تعاني الشركة معه من انخفاض كفاءة العمل.
صوابعك مش زي بعضها

بعض المديرين لا يعلمون أن الله قد خلق البشر غير متشابهين، كل فرد منهم له اهتمامات ومهارات ومواهب تختلف عن غيره، وذلك التنوع يخلق حالة من الثراء. فإذا نظرت مثلا الى فريق الكرة الناجح تجد أن كل منهم له مهارات مختلفة عن الأخر، فهناك من يجيد الركلات الحرة وأخر يجيد صناعة الألعاب، وأخر يجيد اقتناص الأهداف، ولو كان أعضاء الفريق متشابهين لأصبح الفريق فاشلا.
ولكن المشكلة أن بعض المديرين يريدون نسخا طبق الأصل، فبعضهم مثلا يحب من يعمل لفترات طويلة، ويرفرف قلبه من فرط السعادة عندما يرى موظفا يأتي مبكرا ثم يسهر ليلا بعد ساعات العمل، ويحث الآخرين "فلان مجتهد ... فلان يعمل بجد ... كن مثل فلان"، وهو في ذلك يهمل أن هناك من يعمل لساعات أقل ولكن عمله مميز عن الباقين، وهناك من يعمل لساعات أقل ولكنه يتميز بقدرة على إدارة الوقت وبالتالي فهو ينجز كثيرا في وقت قليل. وهناك من يعمل لساعات أقل ولكنه في تلك الساعات قادر على بعث الروح الحماسية لدى باقي الفريق... وهكذا فبعض المديرين يحاولون دون وعي أن يحولوا فريقهم من فريق ثري متعدد المهارات وناجح، إلى فريق من نسخ متكررة مصيرها الفشل.
المشكلة الأخرى أنه حتى وإن أدرك المدير أهمية التنوع فهو يستخدم تقييما موحدا للفريق، ذلك التقييم لا يراعي ذلك الاختلاف في المهارات بين الفريق، تماما كأنك تقيم جميع الاعبين في فريق الكرة بناء على احرازهم للأهداف، فيكون التقييم ظالما للاعبين في باقي المراكز، والنتيجة هي ترك العمل، وشيئا فشيئا يتلاشى ذلك الثراء، ويتحول الفريق الى مجموعة من الهدافين، دون حارس مرمى أو دفاع أو حتى صانع ألعاب.
نفسنة

دعنا نتفق أن الاعتراف بالخطأ أو التقصير أمام أنفسنا هو أمر صعب، ولذلك فنحن نجيد صناعة الشماعات التي نعلق عليها كل الأمور السلبية ... وفي مجال العمل فستجد نفسك ممن يحيوا في سلام نفسي أو ممن يحيوا في حالة "نفسنة" مستمرة، وأعراضها ببساطة هي مزيج من المشاعر السلبية عند ملاحظة نجاح الأخرين. فالشخص العادي عادة يسعى ليتعلم كيف نجح الآخرون كي يطور من نفسه وينجح هو أيضا ... أما الشخص "المنفسن" فهو لا يسعى لتطوير نفسه ولكنه يكتفي باقناعها أن هؤلاء الأخرون لا يستحقون ما وصلوا له من نجاح... وقد تمتزج "النفسنة" مع الشر فتظهر "الأسافين" التي يستخدمها "المنفسن" إما ليعرقل ويمنع غيره من النجاح، أو لسرقة نجاح غيره وينسبه لنفسه.
تزداد الأزمة عندما يكون الشخص "المنفسن" مديرا أو مسئولا عن فريق عمل، فهو بالتالي سيكره النجاح لأفراد فريقه، فاذا حدث وكان أحد أفراد الفريق نابغا فهو عادة سيسعى لتثبيطه وعزله حتى لا يظهر نجاحه للأخرين.
وكلما زاد عدد "المنفسنين" في مكان ما، كلما كانت بيئة العمل أكثر صعوبة.
"أهم من الشغل ... تظبيط الشغل"

جملة شائعة الانتشار ... و"تظبيط الشغل" قد يكون ايجابيا عندما يعني الاهتمام بجودة العمل والاعداد لما يرتبط بالعمل من أجل اخراجه بالصورة الأفضل له في جميع مراحله ... وقد يكون "تظبيط الشغل" هو ذلك المجهود الدبلوماسي في التسويق لنفسك، والغرض هو أن تستحوذ أنت على عقل المدير فيضع ثقته فيك، وبالتالي تنفتح أمامك أبواب الترقيات وتكون أنت المقرب دائما من دوائر صنع القرار.
وإذا سادت تلك السياسة وارتفعت فالسؤال هنا، ماذا عن الآخرين الذين يتميزون بالكفاءة ولكنهم لا يجيدون أو لا يريدون ممارسة أساليب دبلوماسية "تظبيط الشغل"؟ ... النتيجة هي شعورهم بالإحباط لأنهم يعرفون أنهم سيظلون دائما في خلفية الصورة بينما الواجهة يحتلها آخرون.
هذا ما وجدنا عليه أباءنا

أكثر الشركات نجاحا في العالم هي تلك الشركات القائمة على الابداع والابتكار ... ولكن المشكلة عندنا أن بعض الشركات قائمة على لوائح صارمة وروتين خانق ... تماما مثل بعض العادات والتقاليد المجتمعية التي نحافظ عليها ليس لأنها مفيدة بل لأننا وجدنا أباءنا وأجدادنا يتبعونها على مر الزمن. في تلك الشركات يمكنك أن تحاول وتقترح منتجا جديدا أو تطويرا مفيدا في مراحل سير العمل، ربما يسمع البعض لك، لكنهم سرعان ما ينسوا كل شيء ويعودوا الى الروتين اليومي المعتاد. والنتيجة أن المبدعون سيشعرون بالاختناق، وما يزيد الأمر سوءا أنه مع الوقت قد يجدوا أفكارهم قد تم تطبيقها في شركات أخرى ونجحت، بينما هم محبوسون في روتين العمل الذي يرفض التطور.
يمين ولا شمال؟

الطبيعي في كل شركة أن هناك رؤية عامة واستراتيجية موحدة يعرفها الجميع، ولكن يحدث أحيانا أن ينشغل المديرون عن ذلك ويركزون طول الوقت فقط على متابعة حجم المبيعات ... الذي يحدث عند غياب استراتيجية موحدة هو أن كل إدارة بشكل تلقائي تضع لنفسها استراتيجيتها الخاصة والتي قد تتفق أو تتعارض مع الادارات الأخرى، وحينها فالإدارة الأقرب الى الرئيس هي غالبا من يتم ترجيح كقتها لأنه لا توجد استراتيجية واضحة لاتخاذ القرار ... والنتيجة الحتمية هي حالة من التخبط يشعر بها جميع العاملون، وبالتالي يفقد العاملون الثقة في الإدارة، ثم بالتالي يفقدون حماسهم للعمل.
مفيش عمل جماعي حضرتك
العلاقة بين كل ما سبق ذكره وبين العمل الجماعي هي علاقة تسير في الاتجاهين، كل من الطرفين يؤدي الى الأخر ... فكل ما سبق يؤدي الى أن العمل عندنا فردي بحت ... لذلك إذا دخلت مكان ما فالطبيعي أن تجد أسماء لامعة، ومن النادر أن تجد فريقا لامعا... وفي نفس الوقت فنحن أيضا منذ الصغر لم نعتد على العمل الجماعي، والتعليم عندنا في مراحله المختلفة يشجعك على أن تنجح وحدك وتكون الأول وحدك وتنال تصفيق الفصل وحدك، ولهذا فعندما كبرنا والتحقنا بالعمل كانت النتيجة هي كل ما سبق.

Comments