الحياة داخل ماكينة تصوير

خمسة مشاهد من مراحل الحياة ... كتير منا قد مر بمواقف مشابهة أو يعرف أناسا مروا بها.

مشهد 1 - في المدرسة

عالم جديد ... نخرج من البيت الدافئ الذي اعتدنا عليه الى مكان جديد كبير مزدحم اسمه المدرسة ... في المدرسة عندنا كتاب من الوزارة، ومدرس لشرح الكتاب، وكتاب أخر اسمه "الكتاب الخارجي"... الثلاثة معا يشكلون حدود مساحة محددة اسمها “المنهج”.

أثناء حصة مثل التاريخ أو الجغرافيا أو العلوم يسأل المدرس، وقد ترفع يدك لتجيب، لو كانت إجابتك مطابقة لنص الكتاب فستنول رضا المدرس وتصفيق الزملاء، وإذا اختلفت الإجابة قليلا، فلا بأس، لكن الغالب أن الأستاذ سيعيد صياغة إجابتك مرة أخرى لتبقى مثل الكتاب ... أما إذا تجرأت واجتهدت وجاوبت إجابة جديدة تماما وصلت ليها بعقلك انت وقد تختلف عن الكتاب أو ربما تناقضه، فالعواقب حينها قد تكون وخيمة، بداية من تأنيب الاستاذ ووصولا إلى فاصل من السخرية والضحك من الزملاء على الطالب "اللي بيتفلسف".

ولأفضل النتائج قد تستعين بالدروس الخصوصية، لأنه تدربك على الأسئلة المتوقعة وإجاباتها النموذجية، وبالتالي فأنت لن تحتاج الى التفكير كثيرا، بل ستحفظ بعض الأسئلة والإجابات، وعند الامتحان تنسخ ما حفظت في ورقة الاجابة، تماما مثل ماكينة تصوير الأوراق، وعندها ستضمن الدرجات النهائية وربما التكريم من السيد المحافظ أو الوزير.

مشهد 2 - أيام الجامعة

كبرنا ودخلنا الجامعة ... ولأننا حفظنا جيدا وحصلنا على مجموع كبير فالتحقنا بكليات القمة ... سعدنا بالجو الجديد اللذيذ ... أما ما يخص الدراسة فـيبـقى الحال كما هو عليه، ماعدا تغييرات بسطة ... مثلا صار أستاذ الجامعة مكان مدرس الفصل، والكتاب الذي يفرضه الأستاذ مكان كتاب الوزارة، ويكون ذلك هو المنهج الجديد الذي علينا الالتزام به، أما الملازم فلا تزال كما هي محتفظة بمركزها الاستراتيجي المهم، وبالتالي جزء من الحياة الجامعية يظل محجوزا لزيارات مكاتب التصوير أو سوق الملازم كي نحصل على المحتوى اللازم لملأ كراسة الاجابة.

مشهد 3 - موظف "أد الدنيا"

أخيراً تخرجنا من الجامعة... بذلك فنحن تدربنا جيدا ولسنين طويلة على الحفظ والالتزام بالمنهج ... وبالتالي أصبحنا بالفعل جاهزين لتنفيذ تعليمات السيد المدير، تلك التعليمات الآن هي المنهج.... وكما كنا سابقا نحصل على درجات عالية، نستطيع الآن تحقيق العلاوات والترقيات كلما التزمنا بالمنهج.

قد يطرأ طارئ أثناء العمل، وقتها عليك انتظار التعليمات الجديدة، بالتأكيد لن تخاطر وتفكر وتجتهد ... هل تذكر ما حدث أيام المدرسة عندما خاطرت وفكرت وأجبت إجابة جديدة؟

مشهد 4 - معالي الوزير

نظرا لالتزامك في العمل فقد تدرجت في المناصب حتى تبوأت المناصب القيادية ... صرت مسئولا بارزا ذا سلطة وصلاحيات ... ونظرا لكفاءتك والتزامك بالمنهج فتم اختيار سيادتك لتكون معالي الوزير ... سلطة أكبر وصلاحيات أوسع ... عادة ستجمع الموظفين وتخبرهم أنكم "سوف تدشنون معا عهدا جديدا" ... تقريبا نفس جملة معالي الوزير السابق ... بعدها ستجد نفسك تسير على نفس المنهج ... نفس روتين معالي الوزير السابق والأسبق ... نفس الحلول لنفس المشكلات ... تبحث على مشروع قصير المدى تفتتحه سريعا كي تثبت نفسك في الوزارة ... تماما مثل معالي الوزير السابق والأسبق.

قد تصادف المشكلات ... ولآن معاليك الآن محط الأنظار فالكل ينتظر ردة فعلك ... هل المفروض انك تفكر وتجتهد وتشغل عقلك في حلول خارج الصندوق؟ ... بالتأكيد لن تخاطر وتفكر وتجتهد ... هل تذكر ما حدث أيام المدرسة؟ ... الأسلم ان تنتظر توجيهات السيد الرئيس أو السيد رئيس الحكومة... تماما مثل معالي الوزير السابق والأسبق.

مشهد 5 – أجيال جديدة

مع مرور السنوات صار عندك أسرة وأبناء وأحفاد، وبعد ما كبرت وخرجت من الوزارة صرت تمضي وقتا أكبر مع الأجيال الجديدة تنقل لهم خبراتك في الحياة، تحكي لهم قصص نجاحك وتعلمهم أن يسيروا على نفس منهجك.

...

ويدور الزمن وتستمر الحياة في ماكينة التصوير الكبيرة حيث عمليات النسخ لا تنقطع طوال الوقت...

ولكنه في عالم مواز سارت الأمور بشكل مختلف لدى البعض ... عندما سألهم الأستاذ أجابوا إجابة جديدة مختلفة عن المنهج ولم يهتموا كثيرا بالتعليقات الساخرة ... عندما كبروا التحقوا بالعمل واجتهدوا وتصرفوا وقدموا حلولا جديدة دون انتظار تعليمات المدير أو توجيهات الرئيس ... أو بدأوا عملهم الخاص واخترعوا حلولا جديدة للنجاح... وعندما كبروا علموا الأجيال الجديدة كيفية التفكير والاجتهاد.

استطاع البعض الهرب من ماكينة التصوير، استطاعوا الابتكار والابداع ... هؤلاء طوروا حياتهم للأفضل، حتى لو كانت حياتهم خارج المنهج.

#نسخ #تكرار #تقليد #وزير