ثقافة الجمال ... وثقافة القبح
- Mohammed Abdelaziz
- Sep 26, 2015
- 2 min read
أمام السوبر ماركت القريب من المنزل كانت تقف سيارة سوداء أنيقة (فور باي فور) وقائدها رجل أنيق أيضا، ربما يكون أحد رجال الأعمال الذين يسكنون في الكومباوند القريب ... فجأة فتح الرجل النافذة وأخرج علبة مياه غازية فارغة ألقى بها على جانب الطريق ... بشكل تلقائي نظرت له باستنكار وأنا أشير نحو العلبة التي ألقاها توا في الطريق العام... عندما شاهدني رفع يديه وهز كتفيه دلالة على الحيرة وكأنه يقول "معرفتش أرميها فين" ... هنا ارتفع صوتي قليلا وأنا أشير نحو سيارته "خليها في عربيتك لحد ما ترميها" ... شعر الرجل أنني أحاول إحراجه خاصة أن الناس سمعتني وبدأت تنظر إليه، فتحرك الرجل وابتعد بسيارته الفارهة سريعا.
موقف عابر قد يتكرر كثيرا كل يوم، وهو لا يعدو مثالا صغيرا على ثقافة للقبح تنتشر سريعا.
أعراض الإصابة بثقافة القبح أن الانسان الطبيعي تتحول شخصيته إلى ما يشبه "المزدوج" (الشخصية الكرتونية الشريرة) يملك وجهين وشخصيتين، فهو يحافظ على النظافة والجمال فقط داخل حدوده أو المساحة المملوكة له فقط لا غير، أما خارج تلك الحدود فهو على النقيض تماما.
النتيجة أنك تجد شخصا يملك سيارة فارهة يحافظ على نظافتها وتجميلها وتعطيرها ... نفس الشخص يتحول الى شخصية تنشر القبح وتلقي القمامة في الطريق خارج حدود السيارة.
يحافظ على النظام داخل البيت والعمل ... نفس الشخص يقف بسيارته في "الباركنج" في مكان سيارتين لأنه لم يهتم أن يركنها بشكل صحيح... وليحترق العالم مادام خارج حدود سيارته.
يبني عمارة جديدة فيحرص على تجميلها وزخرفتها وربما زراعة الرصيف حولها أيضا ... وعلى بعد أمتار قليلة يلقي أكواما من مخلفات البناء الناتجة من نفس العمارة مع بقايا أكياس الأسمنت الفارغة ومخلفات أخرى متنوعة، يتركها تتراكم جميعا في الطريق دون اهتمام طالما أنها خارج حدود العمارة.
وتجد عمارات أخرى تجدها كاملة التشطيب من الداخل بما في ذلك الدهانات واللوحات الملونة على الحائط ... أما من الخارج فقد تركها أصحابها على الطوب الاحمر مساهمة منهم في عملية تشويه بصري عام.
وتجد الحدائق العامة تحولت في اليوم التالي للعيد الى أكوام من القمامة ... والسبب أن زوار الحديقة يحافظون على النظافة في بيوتهم فقط، ولكنهم يرون تلك الحديقة خارج حدودهم وبالتالي فهم يلقون بها مخلفات الطعام دون اهتمام.
نتيجة انتشار تلك الثقافة أننا بمرور الوقت نعتاد على القبح وشيئا فشيئا ينعكس ذلك علينا ... أساليب الحوار، التعاملات بين الناس، الأغاني والأفلام، كل ذلك يزداد قبحا مع الوقت.
والواضح أن ثقافة الجمال وثقافة القبح لا ترتبطان بالمستوى المادي من غنى أو فقر، بل هي شيء في النفس البشرية، ولكي تجد ثقافة الجمال فلست بحاجة أن تذهب الى أوروبا والدول المتقدمة، إذا زرت النوبة في جنوب مصر فستجد الناس هناك ليسوا في غاية الثراء، ولن ترى الكومبوند الفاخر
ولا ملاعب الجولف ... ولكنك سترى جمالا تلمسه إذا تجولت هناك ... السبب أن الناس هناك لديهم ثقافة الجمال في نفوسهم ولا علاقة لذلك بالثراء أو الفقر ... البيوت في النوبة بسيطة ولكنها ملونة بشكل مبهج، الطرقات بسيطة أيضا ولكنها نظيفة... نفوس راقية وانعكس رقيها على صورة المكان.
النوبة هي مجرد مثال وهناك مناطق أخرى عديدة في مصر مازالت تحتفظ بثقافة الجمال.
أنا على قناعة أن الجمال ينبع أولا من نفوس البشر ثم ينعكس على المكان من حولهم ... وهكذا فان صورة البيوت والحارات والطرقات والقرى والمدن، ماهي الا مرآة لنا وانعكاس لحجم الجمال في نفوسنا من عدمه ... الأماكن الجميلة تدل على نفوس راقية تسكنها... كلما ارتقت النفوس ارتقت الأماكن.

Comments