عليها القيمة
- Mohammed Abdelaziz
- Apr 18, 2015
- 3 min read

مجرد ورقة عادية ... ورقة فارغة لم يكتب فيها شيء... لو أعطيتك ورقة كهذه، فماذا تفعل بها؟!
أغلب الظن أنك قد تتركها جانبا إلى أن تظهر لها فائدة ... ربما تسجل عليها نمرة تليفون، قايمة الطلبات من السوبر ماركت، أو ربما تجمع بها طلباتك أنت والزملاء لما تحبوا تطلبوا "ديليفري"... شيء من هذا القبيل ... وبعد ذلك ستتخلص منها طبعا، فلم يعد لها فائدة بعد ذلك.... وإذا حدث ولم تستخدمها في شيء، فغالبا ستتخلص منها أيضا بعد يومين أثناء فرز المكتب، "علشان توسع المكان وكده".
كان ذلك تصوري أنا أيضا حتى وجدت آخرين ينظرون لتلك الورقة بشكل مختلف ... عند فناني الأوريجامي فهذه الورقة الفارغة هي ببساطة مشروع عمل فني ، فتلك الورقة الفارغة قد تتحول إلى نجوم، أزهار، طيور وحيوانات، وحتى فوانيس رمضان... النتيجة أن الناس تتهافت للحصول على تلك الأشكال، التي هي أصلا عبارة عن ورقة فارغة، فقط تم طيها عدة مرات بطريقة ما، فقط لا غير ... ولو فردتها ستعود لشكلها الأصلي ... ورقة مثل أي ورقة أخرى.
نفس الورقة التي كنت ستتخلص منها منذ قليل "علشان تروق المكتب" صارت قطعة فنية عليها القيمة، تزين المكتب... وربما أيضا تقرر أن تلتقط لها الصور وتنشرها على "الفيسبوك".
فنانة أخرى، أثناء سيرها في الطريق مرت بكومة من مخلفات الهدم، كميات من الطوب المتكسر وبقايا اسياخ حديدية وخرسانة متدغدغة ... وقفت هي وسحبت من وسط تلك الكومة قطعة من الخشب، قطعة قديمة مكسورة من الطرفين... بالنسبة لنا هي قطعة خشب مكسورة من مخلفات الهدم نريد التخلص منها ... بالنسبة لها هي قطعة من كنز ...فمع بعض الرتوش ستتحول قطعة الخشب القديمة المكسورة الى عمل فني عليه القيمة.
هؤلاء باختصار نظروا لتلك الأشياء نظرة مختلفة، إذ ربما ننظر نحن الى ما حولنا من أشياء ولا نرى قيمتها التي قد يراها أخرون... فاذا حدث وانتقلت تلك الأشياء منا نحن إليهم فـعندها تظهر قيمتها وتتحول من أشياء مهملة إلى قطع ثمينة تجذب الكل إلى اقتنائها.
والحقيقة أن ذلك ليس قاصرا على ما حولنا من أشياء، بل ينطبق كذلك علينا نحن البشر ... كل منا له قيمته التي قد تكون خفية، وكل منا له صفات مميزة قد لا يراها الكثير من الناس ... فقط مع تغيير بسيط تظهر القيمة أمام الجميع.
كم من شخص عادي في موقع عمله، قد لا يلتفت اليه أحد، مثله مثل عديد من الموظفين الأخرين، ... لكن عندما تأتي الفرصة فينتقل هو الى عمل مختلف أو ربما يبدأ بنفسه عمله الخاص، حينها تتبدل الأمور، يتألق وقد يصبح من المشاهير ويمارس دورا قياديا ويقدم استشاراته للأخرين ... يتحول من شخصية عادية إلى شخصية مرموقة عليها القيمة.
نفس الشخص هو هو بمهاراته وقدراته لم يتغير، فقط انتقل من مكان لأخر فصار لامعا ... الفرق الوحيد أنه في المكان الأول كان ورقة عادية، أما في المكان الثاني فهو مشروع شخصية ناجحة.
الأمثلة كثيرة ... الكثيرون كانوا مجرد موظقين عاديين في احدى الهيئات، ثم صاروا هؤلاء العلماء والأدباء والفنانون ورجال الأعمال الذين نعرفهم جميعا.
ربما إذا نظرت أنت شخصيا الى نفسك أو الى من حولك من الأصدقاء والمعارف فستجد من قصص نجاحهم ما يعد مثالا على ذلك.
وعلى مستوى المجتمعات فالأمر هو نهج اقتصادي في المقام الأول... فأنت ببساطة ترفع قيمة ما يمتلكه المجتمع من أفراد وممتلكات... انظر الى تلك الورقة الفارغة ... كانت قيمتها المادية تؤول الى الصفر، ولكن بنظرة أخرى أصبحت الآن تساوي مبلغا من المال، والنتيجة أن ثروتك قد زادت بنفس قدر الزيادة في قيمة تلك الورقة... هكذا ببساطة صرت أنت أكثر ثراءً.
وفي الوقت الذي تبذل فيه بعض الدول الكثير من الجهد والمال للتخلص من القمامة، إذ بالبعض الأخر يرى قيمة عالية في تلك القمامة، فهي تعد مصدرا للطاقة ومادة أولية تستخدم بعد إعادة التدوير في صناعة منتجات جديدة تحقق ثروة لتلك الدول.
أما البشر، فكلما زاد عدد الأفراد الناجحين في بلد ما، كلما ازداد معدل الابداع والإنتاج والعائد المادي للبلد بأكمله، ويتطلب ذلك ثقافة مجتمعية مبنية على صناعة النجاح دعم الأفراد للوصول اليه ... نرى جميعا العقول التي كانت مجرد شخصيات عادية في بلادها، ثم تحولت إلى شخصيات مرموقة تقود التنمية في مجتمعات أخرى تجيد رؤية قيمة البشر.
ولهذا نحتاج جميعا لتلك النظرة المختلفة التي تمكننا من رؤية القيمة فيما حولنا ومن حولنا... ونحتاج كذلك أيضا للثقة في أنفسنا ... فقد يخبرونك مرارا وتكرارا أنك مجرد ورقة عادية فارغة، قد يدفعك الكثيرون نحو الإحباط بقصد أو دون قصد... لكنك على خلاف تلك الورقة فإن لك إرادة وقرار، تستطيع أن نتحين ما تتيحه الحياة من فرص متتالية وتثبت أنك شخصية مميزة عليها القيمة.
باختصار شديد ... علينا أن نتعلم صناعة النجاح.
Comments